"مهاجر نيوز": ميليشيات مدنية في بولندا تطارد المهاجرين على الحدود

"مهاجر نيوز": ميليشيات مدنية في بولندا تطارد المهاجرين على الحدود
فرد أمن على الحدود البولندية - أرشيف

شهدت الحدود البولندية الألمانية، منذ مطلع الأسبوع الجاري وحتى أمس الأربعاء، تصعيداً ميدانياً تمثل في انتشار ما يُعرف بـ"مجموعات الدفاع المدني"، وهي تشكيلات أهلية غير رسمية تقوم بدوريات لصد المهاجرين، في خطوة مثيرة للجدل زادت من حدة التوتر السياسي داخل بولندا وبينها وبين جارتها ألمانيا.

انطلقت هذه الدوريات بعد تصاعد سياسة الترحيل من قبل السلطات الألمانية، التي شددت إجراءاتها أخيراً ضد المهاجرين غير النظاميين، وأعادت بعضهم إلى الأراضي البولندية، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز". 

وذكر "مهاجر نيوز"، أنه في ظل فراغ أمني نسبي على الحدود، سارع نشطاء يمينيون متطرفون إلى تشكيل ما أسموه "مجموعات الدفاع المدني"، مستندين إلى خطاب قومي وتصعيد ضد الأجانب.

دوريات على الحدود البولندية

من جانبها، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس"، عن مصادر حكومية أن هذه التشكيلات التي تسيّر دوريات على الحدود البولندية مع ألمانيا تمثل خطراً على النظام العام، فيما وصفها رئيس الحكومة بأنها غير شرعية.

وأكد رئيس الوزراء البولندي الليبرالي الوسطي دونالد توسك أن هذه المجموعات "غير قانونية ومخلة بالنظام العام"، وأمرها بـ"التوقف الفوري عن جميع الأنشطة". 

وفي المقابل، سارع الرئيس البولندي المحافظ أندريه دودا إلى تهنئة هذه المجموعات، واصفاً عملها بأنه "مبادرة وطنية من مواطنين غيورين على سيادة بلادهم". 

وتعكس هذه التصريحات الهوة السياسية العميقة بين مؤسسة الرئاسة والحكومة التنفيذية، خاصة في قضايا الهجرة والسيادة الوطنية.

نقاط تفتيش على الحدود

أقامت بولندا 52 نقطة تفتيش على طول حدودها مع ألمانيا، في محاولة للسيطرة على الوضع الأمني بعد تصعيد ميداني بلغ ذروته في يونيو الماضي، عندما اندلعت مواجهات مباشرة بين مجموعات الدفاع والمهاجرين.

ورصدت الشرطة البولندية في أواخر يونيو حالات اشتباك بين المهاجرين وهذه الدوريات، استخدمت فيها قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطرفين، بعد أن قامت هذه الميليشيات باعتقال مهاجرين عشوائياً، ونصبت خياماً للمراقبة، وطاردت الأفراد في الحقول والطرق الريفية. 

وظهر بعض أفرادها في سترات صفراء وشارات كُتب عليها "الدفاع عن الحدود"، في مشهد وصفه مراقبون بأنه "تعبئة شبه عسكرية" لسكان محليين ضد الأجانب، تحت أنظار الدولة.

اتهامات بترحيل المهاجرين

اتهم نشطاء من اليمين المتطرف الحكومة الألمانية بترحيل المهاجرين عمداً إلى داخل بولندا، وهي مزاعم نفتها برلين، لكنها أسهمت في تعزيز شعبية مجموعات الدفاع وتحفيز بعض المتشددين لتشكيلها.

وزعم بعض أفراد هذه المجموعات أن ألمانيا "تنقل المهاجرين بالحافلات ليلاً إلى الحدود البولندية"، مستدلين على ذلك بتصاعد أعداد العائدين خلال الأسابيع الأخيرة. 

وفي المقابل، نفت الحكومة الألمانية رسمياً أي نية لإلقاء العبء على بولندا، مشددة على أن ترحيل المهاجرين يتم وفق الأطر القانونية وضمن اتفاقيات دبلن الخاصة بإعادة المهاجرين إلى نقطة دخولهم الأولى في الاتحاد الأوروبي.

تعطيل عمل أجهزة الدولة

أعرب وزير الداخلية البولندي، الجنرال السابق توماس سيمونياك، عن رفضه الكامل لنشاط هذه الجماعات، محذراً من تعرض أعضائها للملاحقة القضائية، في حال استمروا في تعطيل عمل أجهزة الدولة الرسمية.

وأوضح سيمونياك أن "مهمة تأمين الحدود تقع حصراً على حرس الحدود والشرطة والقوات المختصة"، مضيفاً أن "أي تدخل غير مرخص سيُعد تعدياً على سلطة الدولة وسيُحاسب فاعلوه وفق القانون". 

وشدد المتحدث باسم الحكومة على أن "أي شخص يعوق عمل السلطات الشرعية سيواجه عواقب قانونية مباشرة"، في إشارة إلى نية الحكومة عدم السماح بتكرار سيناريو الميليشيات غير الخاضعة للدولة.

تعقيد المشهد الإنساني

اتهمت المعارضة البولندية الحكومة بالخضوع للضغوط الألمانية، وعدت السماح للمهاجرين بدخول البلاد نوعاً من التراخي، ما زاد من تعقيد المشهد السياسي والإنساني على الحدود.

واتهمت شخصيات بارزة في التيارات القومية المعارضة، رئيس الوزراء دونالد توسك، بـ"الخضوع لألمانيا"، و"السماح لبولندا بالغرق بالمهاجرين"، على حد تعبيرهم. 

ويستغل خصوم الحكومة الوضع الحدودي المتوتر في حملات سياسية داخلية، متهمين السلطة بالتفريط في السيادة، وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة لإيقاف تدفق الأجانب، خاصة بعد الكشف عن أن فترة الرقابة على الحدود ستستمر لثلاثين يوماً على الأقل.

سابقة أمنية خطِرة

حذّر محللون سياسيون من خطورة السماح بميلشيات مدنية تتخذ طابعاً مسلحاً أو شبه عسكري على حدود دولة أوروبية، معتبرين ما يحدث في بولندا سابقة خطِرة قد تنتقل إلى دول أخرى.

رأى محللون أن هذا التصعيد يمثل "تحولاً مقلقاً"، خاصة في ظل ارتداء أفراد هذه المجموعات ملابس موحدة، واستخدامهم أساليب المطاردة والاعتقال والتصوير العلني، ما يعكس وجود هيكلية وتنسيق غير عفوي. 

واعتبر البعض أن ما يجري هو بداية لتعبئة سياسية شبه عسكرية، تتغذى على خطاب الكراهية وخوف السكان من موجات الهجرة، وتستفيد من الخلاف السياسي الداخلي بين السلطة التنفيذية والرئاسة، وقد يعمق هذا الانقسام من ضعف قدرة الدولة على فرض النظام.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية